بنظرة علمية تحمل جانب من الخيال في الوقت ذاته إلى رحلة عمر الأرض، إذ افترضنا أن عمر الأرض بأكمله لا يتجاوز 10 أعوام ، فإن كافة التغيرات السلبية والأضرار التي لحقت بطبيعتها البيئية وأثرت على صحة مكوناتها حدثت خلال ما يقل عن الـ 15 ثانية الأخيرة من هذا العمر فحسب.
هذا المنظور الافتراضي يضعه علماء الأرض لتوضيح حجم الأثار السلبية التي تسببت بها أنشطة البشر، والتي تمثل تداعيات التغير المناخي التأثير والتحدي الأهم عالمياً حالياً منها.
العقود الأخيرة شهدت تفاقم سريع الوتيرة في حدة هذه التداعيات فثلث طبقة الأوزون قد أختفى فعلياً، وطبقات الجليد في القطب الشمالي تتقلص منذ 1979، ومستوى مياه البحر أخذ في الارتفاع بمعدلات سريعة منذ العام 2000، كما تشهد بقاع عدة حول العالم موجات من الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات والأعاصير وموجات المد البحري، كظواهر مباشرة وواضحة للتغير المناخي، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى غير مباشرة تحدث للبيئة بشكل مرحلي متسارع ومنها تهديد صحة المحيطات والبيئات البرية وما يتبعه من تراجع واختفاء للتنوع البيولوجي في مناطق عدة.
هذا التحدي الذي يمكن وصفه بالكارثي، دفع دولة الإمارات طواعية، وانطلاقا من نهجها في التعامل مع التحديات الدولية كمجتمع دولي واحد، إلى قيادة دور عالمي بارز في تكثيف وتسريع الجهود المبذولة للحد من التغير المناخي وخفض مسبباته، والتكيف مع تداعياته المتزايدة.
الجهود التي بذلتها خلال السنوات الماضية جعلت منها تجربة رائدة عالمياً في التعامل مع هذا التحدي، وضمن هذا السياق، تستضيف وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات "منتدى تغير المناخ" على هامش أعمال القمة العالمية للحكومات 2019، بمشاركة نخبة من صناع القرار ومسؤولي المنظمات الدولية المتخصصة والخبراء لتسليط الضوء على مدى تفاقم الأثار السلبية لتداعيات التغير المناخي على صحة البشر والبيئة، والعمل على إيجاد حلول مبتكرة قابلة للتنفيذ على المدي القريب للحد من تداعيات التغير المناخي والتكيف معها، وتحقيق الالتزام باتفاق باريس للمناخ وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
يشارك في هذه المحفل النقاشي الضخم منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الحفظ الدولية، ومدرسة هارفرد تي أتش تشان للصحة العامة.
وكجزء من المنتدى، سيعقد اجتماع مائدة مستديرة رفيع المستوى تحت عنوان "تغير المناخ والصحة العامة"، وفي ظل التأثيرات الصحية العالمية الناجمة عن التغير المناخي والتي تؤدي إلى زيادة في سوء التغذية، وأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنفسية، والحساسية، والأمراض التي تنتقل عن طريق المياه والأمراض الحرجة، والإجهاد الحراري، ستحدد المائدة المستديرة كيف يمكن للحكومات وأصحاب المصلحة الآخرين حماية صحة الإنسان من خلال العمل من أجل المناخ.
ووفقا لتقرير تقيمي لتأثيرات تداعيات التغير المناخي وآليات التكيف معها على القطاعات الرئيسة في دولة الإمارات والتي تشمل الصحة والطاقة والبنية التحتية والبيئة أعدته وزارة التغير المناخي والبيئة يمثل الإجهاد الحراري، وتضرر البنية التحتية الصحية وتعطل خدمات الرعاية الصحية السلبيات الأهم لهذا التغير على الدولة.
تستهدف وزارة التغير المناخي والبيئة وبمشاركة نخبة صناعة القرار والمختصين أن تجعل من المنتدى بشكل عام خطوة تمهيدية يمكن عبرها تحديد آليات وحلول للجهود المطلوبة وكيفية بذلها ووتيرة هذا التنفيذ، استعداد لقمة الأمم المتحدة للمناخ التي ستعقد في سبتمبر من العام الجاري، وستستضيف العاصمة الإماراتية أبوظبي الاجتماع التحضيري لها في يونيو المقبل.
ولمحاولة إزالة اللبس أو التشكيك الذي يفترضه البعض في التغير المناخي وسلبياته، ولتشجيع المجتمع الدولي على سرعة الاستجابة والمشاركة في الجهود المبذولة سيشمل المنتدى جلسة عامة حول "تغير المناخ في عالم متشكك متعدد الأطراف"، سيعمل خلالها صناع القرار والمختصون على تعزيز التعددية في العمل من أجل المناخ، وسوف يستكشفون كيف يمكن للحكومات ومؤسساتها الدولية أن تتنقل في سياسات اليوم حتى تفي بالتزاماتها المناخية.
وعلاوة على ذلك، ولأن تأثيرات التغير المناخي كما تؤثر على صحة البشر فإن تأثيره الأقوى ينصب على صحة البيئة وبالأخص البيئة البحرية، حيث تتسبب في تهديد وتدمير النظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي لهذه البيئة، ستشمل أعمال المنتدى جلسة عامة بعنوان " تغير المناخ وصحة محيطاتنا"، فالمحيطات تعاني فعليا من تدمير واسع في موائلها الطبيعية والصيد الجائر والتلوث، يضاف لها تأثيرات التغير المناخي التي سترفع درجات حرارة الأرض ما سيفقدها القدرة على توفير المزايا والفوائد التي دأبت على تقديمها للبشر لألاف السنين.
وفي ظل تفاقم تأثيرات التغير المناخي على البيئة البحرية يتوقع في منطقة الخليج فحسب أن يشهد الخليج العربي انقراض ثلث التنوع البيولوجي الذي يتمتع به بحلول 2090، وفي مناطق أخرى من العالم يتوقع أن يفقد الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا 95% من شعابه المرجانية في الفترة نفسها.
إلى ذلك تستمر فعاليات القمة العالمية للحكومات 2019 خلال الفترة من 10 إلى 12 فبراير الجاري في دبي، ومن المتوقع أن يشهد هذا الحدث العالمي مشاركة أكثر من 4000 مشارك من 140 دولة حول العالم، بما في ذلك رؤساء دول وحكومات، إضافة إلى ممثلين عن 30 منظمة دولية.