تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم بيوم البيئة الوطني الثاني والعشرين تحت شعار "الإنتاج والاستهلاك المستدامان" للسنة الثالثة على التوالي لمواصلة الجهود المبذولة لتحويل أنماط الانتاج والاستهلاك في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أنماط مستدامة.
ويشرفني بهذه المناسبة أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان لسيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان – رئيس الدولة (حفظه الله) على تفضله بشمول هذه المناسبة برعايته الكريمة، ودعمه المتواصل لجهود حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة بدولة الإمارات.
كما يسرني أن أعرب عن التقدير والامتنان لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم – نائب رئيس الدولة – رئيس مجلس الوزراء – حاكم دبي (رعاه الله) وأخيه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى - حكّام الإمارات على اهتمامهم البالغ بجهود المحافظة على البيئة وتنميتها بدولة الإمارات، والتي كان لها بالغ الأثر فيما حققناه من إنجازات في هذا المجال على الصعيدين الوطني والعالمي.
إن احتفالنا بهذه المناسبة في عام التسامح يضفي عليها قدراً أكبر من الأهمية، فالتسامح والتعايش السلمي لا يقتصر على العلاقات بين البشر فحسب وإنما يشمل سلوكيات الفرد وتصرفاته مع محيطة بالكامل بما فيها البيئة ومواردها وتنوعها البيولوجي، والتسامح مع البيئة يتمثل في السير على النهج الذي غرسه فينا الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد والقائم على إتباع أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة.
وقد كان إدراك الوالد المؤسس المبكر لأهمية التسامح مع البيئة والمحافظة على مواردها وضمان استدامتها للأجيال القادمة، الذي استلهمه من حياة الأجداد والآباء وممارساتهم اليومية، أساساً لمفهوم التنمية المستدامة الذي شاع لاحقاً، ولمفهوم أنماط الانتاج والاستهلاك المستدامة التي يتمحور حولها احتفالنا بيوم البيئة الوطني هذا العام، والتي تحظى باهتمام عالمي بالغ، حيث شكلت الأنماط غير الرشيدة للإنتاج والاستهلاك أحد العوامل الرئيسية في حالة التدهور البيئي الذي يشهده العالم، وفي ظهور وتفاقم العديد من المشكلات البيئية كالتلوث وخسارة التنوع البيولوجي والتغير المناخي.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة ترافق النمو السكاني والاقتصادي وارتفاع مستويات الدخل في العقود الأربعة الماضية مع نشوء أنماط انتاج واستهلاك غير مستدامة، ظهر أثرها واضحاً في العديد من المؤشرات، مثل ارتفاع معدل البصمة البيئية للفرد، وارتفاع معدل استهلاك المياه والطاقة والغذاء، وارتفاع معدل إنتاج النفايات والانبعاثات الكربونية مقارنة بالمعدلات العالمية.
وفي مواجهة الضغوط والتحديات التي فرضتها تلك الأنماط، تبنت دولة الإمارات حزمة من السياسات المتكاملة تستهدف تحقيق الاستدامة في كل القطاعات، وذلك من خلال التركيز بصورة خاصة على فك الارتباط بين النمو والموارد البيئية عن طريق التوظيف الأمثل للتقنيات والحلول والممارسات الذكية والمبتكرة. وقد شملت تلك السياسات: تنويع مصادر الطاقة للوصول بنسبة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الوطني إلى 27% في عام 2021 والى 50% في عام 2050، وتبني نهج الاقتصاد الأخضر وفق استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء لتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر مستدام، بالإضافة إلى تبني نهج العمارة الخضراء والنقل المستدام، وتعزيز كفاءة استهلاك الموارد، لا سيما الطاقة والمياه، وتكثيف برامج التوعية بالآثار السلبية لأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة، وتشجيع المجتمع على تبني خيارات استهلاكية ذكية ومستدامة والمساهمة بقدر أكبر في الجهود المبذولة لتحقيق الاستدامة .
ومع أنه لا زال من المبكر تقييم الأثر الكامل لتلك السياسات، وغيرها، إلاّ أن هناك العديد من المؤشرات بدأنا نلمسها وتدعونا للتفاؤل في قدرتنا على تحقيق أهدافنا، ومن بينها انخفاض معدل إنتاج الفرد من النفايات من حوالي 2.06 كيلوغرام يومياً إلى حوالي 1.8 كيلوغرام يومياً على المستوى الوطني ، وانخفاض معدل البصمة البيئية للفرد في الدولة من حوالي 12 هكتار عالمي في عام 2006 إلى أقل من 8 هكتار عالمي في عام 2014، بالإضافة إلى الاهتمام الواسع من قبل القطاع الخاص بالاستدامة والاستثمار فيها، وارتفاع مستويات وعي المجتمع بقضايا الاستدامة.
أننا في دولة الإمارات نؤمن بأن العمل البيئي هو مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، وأن دور المجتمع بالنسبة لقضية الإنتاج والاستهلاك هو دور محوري، فخيارات الاستهلاك هي في النهاية خيارات فردية تحكمها مجموعة من العوامل كالرغبة والقدرة الشرائية والوعي. ونحن، كمؤسسات حكومية، عملنا ولا زلنا نعمل جاهدين بكل الوسائل والسبل لخفض التأثيرات السلبية لأنماط الإنتاج والاستهلاك وتحويلها إلى أنماط مستدامة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تمثل جوهر رؤية الإمارات 2021.
وأود أن أشدد بهذه المناسبة على ضرورة النظر إلى مواردنا البيئية كإرثٍ وطني، لكلٍ منا مسؤوليته في المحافظة عليها واستدامتها من أجل جيل الحاضر وأجيال المستقبل. ونحن على ثقة من أن تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، أفراداً ومؤسسات، كفيل بإحداث التغيير كبير وجوهري في أنماط الإنتاج والاستهلاك وتحويلها إلى أنماط مستدامة "تخولنا الحفاظ على أسلوب حياتنا الملائم والاستمرار في تعزيزه".